top of page
IMG-20241001-WA0072_edited.jpg

مقالات.ثقافة 

المهم خلصنا 

SHARE

بقلم : مصعب الأحمد بن أحمد 

artworks-000515087007-rcvlth-t500x500.jpg

قال ياقوت الحموي في معجم البلدان:

“ما وُصِفَتِ الجَنَّةُ بشَيءٍ، إلا وفي دِمشقَ مِثلُه.”

 

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر:

“دمشق دار الخلافة، ومجمع الكرامة، ومأوى الأفاضل، ومنزل أهل الفضل، لم تزل موئل العلم والعلماء، ومنبع الجود والسخاء.”

 

وقال ابن بطوطة في تحفة النظار:

“دمشق من أعظم المدن وأحسنها. مساجدها عامرة، وأسواقها زاهرة، فيها الجامع الأموي، وهو آية في الجمال والإبداع.”

 

وعلى الرغم من أن نوائبَ الدهر قد ألقتْ بظلالها على دمشق، فإن تطهيرها من الجَلابِيب وشذاذ الآفاق، وبناءَ ما هُدِمَ منها، سوف يعيدان إليها جمالَها المَعهُود ورونقها الفريد وروحانياتها العالية.

لا ريب أن طول فترة خلع النظام منذ الانتفاضة الأولى للثورة، وسوء الإدارة التي بلغت أدنى درجات الانحطاط، سهّل المهمة كثيرًا على أي حكومة تأتي بعده.

فلو أن النظام سقط فورًا، لرأيت الناس يطالبون بأشياء لم يكونوا يحلمون بها في العهد المنصرم، ولرأيت اختلافًا كبيرًا.

 

اليوم، ومع فقدان كل مقومات الحياة، وضعف الإمكانيات، وبعد زمن الإصلاحات الاقتصادية والمعيشية، تجد عند الناس نوعًا من الرضا والقبول، بل والفرح، كالذي وقع في بئر فوجد أفعى شرسة فتغلب عليها وقتلها، ففرح بنجاته، مع أنه يدرك أنه لا يزال في البئر.

 

إن أدنى مقومات أي حكومة ستأتي، وضعف إمكانياتها، لهي خير ألف مرة للسوري من النظام البائد، لأنه ليس في الإمكان أَقذَرُ مما كان.

فمحاولة مقارنة النظام السابق بأي حكومة قادمة ستجعل الحكومة القادمة تنجح رغم كل شيء بفارق 99.99%.

 

قلتُ لأحدهم: الكهرباء لا تأتي إلا كل ثلاثة أيام، والبلد تحتاج للكثير وللمعجزات الاقتصادية، بل لعصا موسى ولزمن طويل.

فقال: (المهم خلصنا) وكله بيجي مع الوقت.

 

صدق الرجل، فإن الصبر على المجرمين السابقين ليس كالصبر على المؤمنين الذين يحكمون اليوم؛ الصبر على المؤمنين فريضة وشرف وكرامة، أما الصبر على المجرمين قديمًا، فهو نوع من الخيانة والفساد والانحطاط.

أفنجعل المسلمين كالمجرمين؟ ما لكم كيف تحكمون؟

 

اليوم لدينا بلد نخشى عليها، ووطن عاد إلينا نحميه وندافع عنه.

اليوم نقول: هؤلاء وزراؤنا، ونحن نعتز بذلك، ننصحهم ونساعدهم وندافع عنهم.

 

مشيتُ في شوارع دمشق أستقرأ حال الناس، التعب يسيطر على القلوب والوجوه والنفوس، في أدنى حالة اقتصادية، ومع ذلك هناك حالة من الرضا والسرور والأمل بالفرج.

هناك تفاؤل كبير وعظيم بالأيام القادمة، وهناك عودة لا بأس بها إلى الوطن.

 

لأول مرة أنظر إلى مطار دمشق الدولي بعين الفرح والسرور، فالسوريون على مدى نصف قرن كانوا ينظرون إلى هذا المطار اللعين بعين الخوف والقلق، وهم ينزلون فيه، ويظل هذا الشعور يرافقهم حتى يخرجوا منه.

ملايين السوريين كانوا ينزلون في هذا المطار وهم يخشون الاعتقال أو الاختفاء خلف الشمس بسبب تقرير مغرض كتبه عنهم أحد المخبرين في هذا البلد أو ذاك.

اليوم صرنا نشعر بالغبطة والشوق لزيارة سوريا دون خوف أو وجل.

 

رغم الدماء والأشلاء والفقدان،

رغم السجون والإصابات،

رغم فقدان مقومات الحياة، ونقص الموارد البشرية، وتفرق الناس،

رغم كل شيء مما لا تحيطه الصفحات القليلة،

 

(المهم خلصنا).

 

كانوا يقولون لحافظ الأسد: إلى الأبد.

ونحن نقول: (إلى الأبد خلصنا منكم).

 

فيا أيها الحالمون الواهمون، غطّوا أنفسكم جيدًا قبل النوم…

 

ستون عامًا والنظام الملحد الطائفي يقنع الناس أن المسلم الملتحي إرهابي ومجرم وسفّاك دماء وسارق أوطان، وأن اللحية منبع الشر والتجارة بالدين، وأن هؤلاء مندسون وإرهابيون.

 

يدخل الشباب دمشق وغيرها، فيستقبلهم الجميع بالورود، وتُسارع الفتيات، حتى غير المحجبات، لتتصور معهم، وتصبح اللحية بين ليلة وضحاها ومظاهر التدين شيئًا محبوبًا ومرغوبًا ودليل الرجولة وعنفوان الشباب.

 

لا شيعة ولا تشييع بعد اليوم في الشام، وإلى الأبد إن شاء الله.

لا حكم للأقليات على حساب الأغلبيات، ولا حكم لغير الله.

 

فليخسأ من ظنوا أنهم قادرون على الشام…

إنما هم عاصفة ومرت…

مرت، وقد لقّن السوريون هذه العصابات العابرة درسًا لن ينسوه مدى الحياة: أن الحق لا بد أن يرجع لأهله، وأن سوريا لها ما بعدها…

مصعب الأحمد بن أحمد

bottom of page