top of page

مقالات.أدب

الشام واليمن بين مطرقة الإسراف وسندان التهجير

بقلم : مصعب الأحمد بن أحمد 

23B0FD05-54D1-4BDB-8C7B-86AF61FBB871.webp

SHARE

سقب

12.5.2020

عندما اتكلم عن الشام واليمن فلانهما على وجه الخصوص يتعرضان لهلوكست إبادة منظمة  ، ومن لم تقتله الحرب سيقتله الجوع ، ومن لم يهجره القصف سيهجره الفقر ، وهي الغاية القريبة البعيدة للقوى العظمى المتمثلة بتهجير أهل السنة وتمكين الحزام الشيعي الذي يلتف حول المقدسات الاسلامية ويحمي أمن اسرائيل ويقضي على أي محاولة لإحياء ذاك المارد النائم  ..

المجاعة مع وسائل الإعلام المفتوحة اليوم أظهر من أن تخفى على أحد ، ولا جديد لمتكلم أو كاتب يأتي به أو يشير اليه ، الا أنها كلمات تجيش في الصدر تلهب القلب وتأبى إلا ان تخرج ، لعل فيها تذكرة لأحد ..

وكعامل في الشأن الخيري يحتك بأرباب الاقتصاد والتجارة ، ويختلط بهم ، وقد تكون له بهم صحبة  ..

لفت نظري أن عددا ليس بمستهان به من أغنياء الأمة يعيشون في عالم بعيد عن الفقراء من أبناء بلدهم ، وأقصد هنا (أغنياء سوريا) على وجه التحديد ، رأيت وانا مطلع على أكثر مما يطلع عليه الناس عادة ، نوعا شائعا وليس نادرا من البذخ والترف والإسراف الغير مبرر ، وإتلاف المال في المظاهر والمجالس والمفارش والمراكب بطريقة تدعو الى النظر والتأمل ، والتسائل ، هل هذا وضع طبيعي ؟ في بلد تعيش أسوأ أزمة انسانية عرفتها بتاريخها ، وهل من المستساغ مايفعله هؤلاء( الأكابر ) وحتى أوضح المراد فأنا لا اقصد أراذل الأغنياء، ولا فسقة القوم، ولا أكابر المجرمين، ولا غثاء الأمم ، الذين يبذرون اموالهم في معصية الله ،  بل أعني اخوة أفاضل - أحسبهم  -يؤدون زكاة أموالهم دون نقص أو منة ويسارعون في الخيرات  ..

وقبل أن تقول لي :

بما أنهم يؤدونها والله تعالى لم يطالبهم بأكثر منها على وجه الوجوب ، ما لك ولهم ؟  ..

لك أن تخاطب من لا يؤدونها  !! 

وما داموا يؤدونها فحلال لهم أن يتمتعوا بأموالهم كما يرغبون ويتنعموا بها كيفما يشاؤون .. 

ولعل الناظر في هذا الكلام يرى فيه حيزا من الصواب والأحقية  ، ولكنه لا يتسم بالواقعية كثيرا ولا بالمرحمة المطلوبة في أقسى الأزمات ، ولا يعني اباحة السرف وقبوله  .

الزكاة في الأحوال الطبيعية هي الواجبة وما زاد عنها فصدقة مندوبة مستحبة ، لكن الزكاة في زمن الحروب والكوارث والمصائب لا تسد الحاجة ولا تغلق المسألة ، وليست الزكاة حال الأمن كافية- وإن لم ير الفقهاء ذلك- فالصدقات هنا حاجة ملحة يجب أن تتسع لتخفف الألم وتسد الرمق  ..

الزكاة اليوم كالبطيخة التي كانت تقدم للسجناء في سجن تدمر واحدة فقط لسبعين سجين .. يرفضون تقاسمها ويعطونها لبعض المرضى يتقوتون بها لأنها لو قسمت لن تسد رمقا ولا تقطع شهوة ولا ترقأ دمعا .. 

وان كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  أسوة حسنة فحقيق بنا أن ننظر حاله وأصحابه الكرام ، كان بوسعه أن يعيش حياة الترف ، ويكون ملكا نبيا لكنه اختار أن يكون عبدا نبيا ، وكذا الصحابة الكرام رضي الله عنهم  ، لما كانت الحاجة بالغة والضرورة ملحة جاء أبو بكر بكل ماله ، وقدم عمر بنصف ماله ، وقدّم عثمان كل تجارته ، وضرب الآخرون أعظم أمثلة الإيثار والتضحية والعطاء ..

لا أتكلم من باب الحرام والحلال ، ولا الواجب واللزوم ، ولكن من باب العطف والإيثار ، والرحمة والإحسان والشعور بالناس  .

ربما يكون لهؤلاء (الكرام) صدقات لا أعلمها ، وأبواب خير يفضلون كتمانها ، وأحسب ذلك ، لكن ما يقابلها من بذخ واسراف شيء لا يمكن إلا أن نقف عنده وندرسه .

مجلس أنس جمعنا ببعض الاخوة تبادلوا فيه الود والمحبة وطرح أحدهم سؤال للآخر، وقد تحدثوا في شأن الأسعار ومقارنة البلاد ببعضها ، وانا أسمع ويمر بخاطري شريط مصور من الخيام ، والأيتام ، والجياع والأرامل ، والثكالى ، والضعفاء ومن لا يجد دواء ولا علاجا ، ولا لقمة يستسيغها ..

وأقول في نفسي هل ما يحصل مقبول؟

هل من المعقول ان ينفق أحد في بيته المؤلف من خمسة أشخاص في الشهر ما يكفي مائة عائلة في  المخيمات مؤلفة من خمسمائة شخص ؟

هل من الطبيعي أن يكون مصرف ابنة هذا الرجل هنا يساوي مصرف خمسين نفرا هناك ؟

إذا لم يكن هذا إسرافا فما على الأرض إسراف !!

هل هذا وقت مناسب لهذا النوع من البذخ والرفاهة..

هل هذا وقت أن يقيم أحدهم احتفالا بعيد ميلاد ابنته البالغة سنتين ، ويدعوا اخوانه ليتكلف على حفل مدته ساعتين ، (مايكفي ألف وستمائة شخص في الداخل السوري شهرا كاملا) ؟ .. 

هل هذا وقت ان يأخذ أحدهم زوجته سياحة فيتكلف لأجل (خمسة عشر) يوما من البذخ والترفيه ، ما يكفي مائتي عائلة لمدة شهر ؟

ما يكفي لحفر خمسة آبار تسقي آلاف الناس وتسد حاجتهم ..

مايمكن أن يكفي لكفالة خمسمائة يتيم ؟

وأيم الله لا أبالغ ، ولا أزيد في الكلام ، ولا اختلق الأحاديث، وقد أكد ثلاثة منهم نحوا من هذا الكلام وأحسبهم صادقين  وهذا غيض من فيض   .. 

هب أن هذا قياس فاسد ومع الفارق ، ولك أن تقول : العيش في تركيا واوربا وتكاليفها ليس كالعيش في سوريا ، والعيش في اسطنبول ليس كالعيش في المخيمات حيث اختلاف العملة والقيمة الشرائية وغير ذلك ..

لكن أقول لمن لا يعلم أنهم في إدلب يتعاملون بالليرة التركية ، والأسعار جدا متقاربة ، وتكاليف الحياة هي هي ..

لمَ ينفق أحدهم هنا (وحده )ما يكفي مائة هناك ؟

هذا ما أردت أن ألفت انتباه هؤلاء الافاضل اليه ولم أكتمه عنهم ، وكان أن سألني أحدهم  .. فقلت لهم هذا الكلام وما كان لي أن أكتمه ،  واستأذنت أن أكتبه لألفت نظر الناس إلى شأن عظيم وخطأ جسيم هو الإسراف  ..

قال أحدهم أنا لم أغير نمط العيش الذي كنت به في سوريا وقد اعتدنا على نوع من الحياة يصعب أن نغيره ، ونحن والحمد لله نعمل ونكسب ، ونؤدي زكاة أموالنا ولكن أعترف أنك تقول حقا ، نحن من المسرفين ، والله تعالى لا يحب المسرفين ..

قلت لهم لولا وافر الصحبة وعميق المودة لتحفظت عن هذا الكلام او بعضه ، ولاستعملت المعاريض ، لكن ما ينبغي إلا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ..

راتب الموظف اليوم في الشام يكفي ثمنا للخبز والزيتون ، لا غير ، لكن في إدلب ملايين الناس بلا عمل ، بلا أي مصدر دخل ، بلا أي يد تمتد إليهم بلا دولة تحمل عنهم  ..

انا اعلم الناس أن ما يأتي اليوم لا يساوي خمسة من مائة مما كان يأتي أول أيام النزوح والحرب ، وساهم بالمعاناة هبوط العملة وزاد في الطين بلة وباء الكورونا الذي خفض دعم كثير من المنظمات الإنسانية وايضا طول الزمان فالداعمون سئموا وملوا ولكن الفاقة لا تسأم ولا تمل  ..

نحن أمام ٨١ % يعيشون تحت خط الفقر بسبعين درجة وهم أمام أن يأكلوا أوراق الشجر ..

أكل بعضهم أيام الحصار في الغوطة والزبداني ، ومضايا ، وحمص كل دواب الأرض بما فيها القطط والكلاب ...

في الشام لا يعرف الناس الجوع ، قبل الحرب كانت تسمى أرض البركة والخيرات ولم أر بلدا مثلها للفقير والضعيف والمساكين  ، لكن الآن وصل أهلها لأنهم حتى الضروريات لا يمكنهم شراءها ، العملة انهارت ، والبلد تعاني من أسوأ امتحان واقذر حرب  ..

الحصار الاقتصادي والعقوبات التي فرضتها أمريكا لم تؤثر لحظة على النظام وأعوانه وشيعته وطائفته ، لانهم سرقوا كل شيء ، حتى اسلاك الكهرباء وازرار الانارة في الحيطان والأبواب والشبابيك  ..

هؤلاء الآن يعيشون ابهى انواع الغنى و السرف والترف وهم من ال١٠% المتبقية .. واما التسعة الاخرون فلهم في بلاد النزوح من يمكنه ان يشاطرهم رغيف الخبز .. ويا لله من ل٨١% ...

هذا هو الحال ..

وهذه رسالة مكررة ألف مرة تحت ألف عنوان ..

كفاكم سرفا أيها المؤمنون ..

كفاكم سرفا أيها الرحماء ..

كفاكم سرفا أيها الاغنياء ..

كفاكم سرفا أيها الفضلاء ..

ماحل بهؤلاء الضعفاء يمكن أن يحل بكم ، وللدهر تقلبات ، وللدنيا أيام ، ولله غصب وانتقام ، ونحن وأنتم أمام امتحان عظيم ، ان كنتم تعلمون أنكم تؤدون الواجب فتعلمون ايضا ان الله تعالى لايحب المسرفين . وتعلمون ايضا ان الرحمة من الله عز وجل مقرونة برحمتكم لخلق الله (ومن لا يرحم لا يرحم ) وتعلمون أيضا ان (السائل لو صدق ما أفلح من رده )

قد يكون هذا الكلام قاسيا لكن أقسى منه ما يعانيه اخوانكم وابناء جلدتكم ..

خذ أولادك الي ارض خالية وجرب ان تعيش أسبوعا ايام بلا ماء الا للشرب، وقليل الغسل ، بلا حمامات دافئة ، بلا كهرباء ، بلا انترنت ، بلا مدارس ، بلا طعام ،  بلا دفئ ، بلا ملابس نظيفة ، بلا اريكة مريحة ، بلا جدران ..

جرب ان تعيش في خيمة من قماش لثلاثة ايام ..

ولن تشعر إلا بجزء لا يتجزأ مما يشعر به أولئك..

فالفرق هنا أنك على يقين بان حالك سينتهي بعد ايام وانت مطمئن لمافي حسابك البنكي من مال ، وسيارتك الفارهة ، وبيتك الذي ينتظرك ، لا تخشى هوام الأرض  ، ولا تخشى صواريخ قد تفتك بك في أي لحظة ..

عندها ستدرك ولعله يدرك من حولك جسامة الإسراف وضرورة المرحمة وقيمة النعم ..

رحم الله إحدى الأخوات المحسنات في دمشق كانت قد تبرعت وشاركت  ببناء عدة مساجد ولها خير يعرف الناس عنها ، وكانت في نفس الوقت تحاسب خادمتها وتعنفها لانها أشعلت البابور بعودين من الثقاب بدلا من واحد ..

لا مانع ان تترفه ، لا مانع أن تتنعم ، لا مانع ان توسع على نفسك وتشتري ما تشتهي ، ولكن لا تكن ممن يبغضهم الله تعالى (فالله لا يحب المسرفين )

أي أُخيّ :

مرارة الدواء مزعجة لكنه دواء ..

اكتب هذا لأقول : نتج عن جلسة الأخوة بعد دواء النصيحة عمل خير مبارك  ، لذا أرسلوا هذا الكلام لمن ترجون فيه الخير ، لعله يتق الله عز وجل ويوقف عجلة الإسراف وإن كان مُصرا على حاله تلك ولا يريد ان يغير ، فلا اقل من أن يفتح باب الصدقات ويوسع فيه ولا يكتفي بالفتات يذره هنا وهناك  ، وإن أبى فلا أقل من أن يخفي تلك المظاهر ويبتعد عن نشرها في وسائل التواصل وبين الناس لما فيها من بالغ الأثر في قلوب الفقراء من قومه وخاصة أنهم من محيطه وعلى معرفة به ، وكل المسلمين على الجملة إخوة ليس فيهم قريب وبعيد عربي وأعجمي يسعى بهمتهم أدناهم ويحتمل معهم أقصاهم كالجسد الواحد ..

الناس لا يرون مظاهر إنفاقه فلا ينبغي أن يروا مشاهد إسرافه   ..

bottom of page