مقالات-أدب
قصيدة السقوط
طارق موسى المحارب ..

سقب
فقدَ الصَّوابَ فأيُّ قلبٍ كانا
حينَ استبدَّ و أحرقَ البلدانا
قدْ كانَ ظنَّ البغيَ مُنتصراً و إذْ
بالبغيِ يُسقطُ خائناً و جبانا
قدْ نصَّبوكَ على الرَّعيَّةِ راعياً
حتَّى جهلتَ و خلتَهمْ قطعانا
أشبعتَها جوعاً و كمْ أنهكتَها
و حشدتَ في أرضٍ لها الذُّؤباتا
و لقدْ أمتَّ الشَّعبَ أعواماً مضتْ
و اللهُ بعدَ مماتِنا أحيانا
في كلِّ شبرٍ شلْوُ طفلٍ لمْ يزلْ
أو عظمةٌ قدْ غادرتْ جثمانا
فاسألْ ترابَ الأرضِ يشهدْ أنَّهُ
جدثٌ كبيرٌ حاضنٌ قتلانا
ما احمرَّ منْ كرمٍ لنا عنبٌ بدا
إلَّا و أُنضِجَ حبُّهُ بدمانا
ماءُ الجداولِ منْ نزيفِ نسائنا
يجريْ و يسقي الخَوخَ و الرُّمَّانا
كانتْ دمشقٌ قبلَكمْ وطناً لنا
و إذا بعهدِ الرِّجسِ قدْ أجلانا
و اليومَ مَنْ أُجلوا أتَوا كيْ يثأروا
و يحطِّموا الأصنامَ و الأوثانا
ضحكتْ دمشقُ و صفَّقتْ منْ بعدِ أنْ
طولُ البكاءِ أحالَنا عُميانا
ها نحنُ نبصرُ منْ جديدٍ صبحَنا
و نرى الصَّفاءَ يداعبُ الأجفانا
عادَ التَّعافي للبلادِ و إنْ غدا
ثمنُ التَّعافي باهظاً أثمانا
في كلِّ بيتٍ فقدُ حِبٍّ و الرَّدى
قدْ عاشَ أعواماً هنا يرعانا
كيفَ استحالتْ جِلِّقٌ يَبْساً و قدْ
كانتْ نعيماً دائماً و جِنانا
ما شاهدتْ عينُ الوليدِ لِئامَها
إذْ يعبثونَ و يُفقرونَ حمانا
لو شاهدتْهمْ أرسلتْ أبناءَها
فغدَوتَ تُبصرُ فارساً و سِنانا
ساحُ الوغى لهمُ و ليستْ للذي
سرقَ الرَّغيفَ و دمَّرَ الأوطانا
أحيى أميَّةُ كلَّ تُرْبٍ مُجدِبٍ
حتَّى نما زرعٌ بهِ ريَّانا
و مضى لفتحِ الأرضِ ينشرُ دِينَهُ
و يعلِّمُ الأخلاقَ و القرآنا
و العدلُ في عُمرَ العزيزِ مُؤرَّخٌ
مذْ راحَ يُصلحُ حكمُهُ الميزانا
يا بْنَ العظامِ الآفلينَ بلادُنا
صارتْ حرائقَ حاقدٍ و دخانا
جعلَ المجوسيُّ ابنُ فارسَ بَرَّها
ناراً و لوَّثَ سُمُّهُ الشُّطآنا
كمْ حاولوا طمساً لتاريخٍ مضىْ
حِقداً فكانَ مُرادُهمْ خُسرانا
و الشَّرُّ كلُّ الشَّرِّ في نفْسٍ مضتْ
منْ دونِ حقٍّ تقتلُ الإنسانا
كمْ حاربتْ أحلامُها حقّاً و كمْ
راحتْ تُزوِّرُ خُلسةً أديانا
هذيْ دمشقُ أميَّةٍ ما كفؤُها
إلَّا بنوهُ الخالدونَ زمانا
و المُرسِلونَ على الجيادِ فوارساً
عبروا البحارَ و أسقطوا الفرسانا
و المالئونَ بزحفِهمْ لو أُغضِبوا
جنداً تُغطِّي السَّهلَ و الوديانا
و المُنفقونَ على المعالي كلَّ ما
ملكوا فأعلَوا في الأنامِ عُلانا
و الظَّاهرونَ بلاغةً فلسانُهمْ
حِلْمٌ تجسَّدَ حِكمةً و بيانا
و اللينونَ إذا قسا مَنْ حولَهمْ
و على الإساءةِ غلَّبوا الإحسانا
بشَّارُ كمْ هجَّرتَ اطفالاً لنا
و همُ عِطاشٌ ما غذَوا أبدانا
هاهمْ أتَوا يسترجعونَ ديارَهمْ
و يقبِّلونَ البابَ و الحِيطانا
عاشَوا سِنيَّ تغرُّبٍ حتَّى غدَوا
بعدَ النُّزوحِ بغربةٍ شبَّانا
للثَّائرينَ تحيَّةٌ و اللهُ قدْ
أزجى بهمْ لِيغيِّروا الأزمانا
بُورِكتمُ منْ فتيةٍ بطلائعٍ
و كتائبٍ قدْ حُمِّلتْ شجعانا
هزموا الضَّلالَ و باركوا بقدومِهمْ
فيحاءَنا و النَّهرَ و الغِيطانا
طُلَّابُ حقٍّ لمْ تزلْ خطَواتُهمْ
مُحمرَّةً و مليئةً إيمانا
لجراحِهمْ فَوحُ الزُّهورِ إذا غدتْ
في الصُّبحِ منْ بعدِ النَّدى رَيحانا
صرعى المعاركِ منْ ذوينا فتيةٌ
وهبوا النُّنفوسَ و أرخصوا الشّريانا
يا أيُّها البطلُ المُنيرُ بعزفِهِ
فوقَ الزِّنادِ و قدْ هزمتَ دُجانا
للهِ دَرُّكَ أنتَ واهبُ أمَّةٍ
عيشاً كريماً بعدَ أنْ جافانا
ما كنتَ مُحمرَّ الجبينِ بمَولدٍ
لكنَّ نزفَكَ كانَ منْ أنبانا
أنَّ المماتَ إذا يزورُ كميٍَّهُ
طمسَ اللجينَ و خضَّبَ التِّيجانا
ها نحنُ بعدَ العُسرِ يُوسِرُ عيشُنا
و اللهُ بعدَ سَقامِنا عافانا
و قضاءُ ربِّكَ في الحياةِ لهُ يدٌ
مبسوطةٌ ما خيَّبتْ مسعانا
جادتْ علينا بانتصارٍ مذْ غدتْ
تُردي الخسيسَ و تهزمُ الطُّغيانا
إنْ أمهلَ الرَّحمنُ ليسَ بمهمِلٍ
عَسْفَ الطُّغاةِ و كيدَ منْ عادانا
غنِّي ديارَ الشَّامِ و ابتكري لنا
لحناً يخالفُ عزفُهُ الألحانا
صوغيهِ منْ فرحٍ جديدٍ ماسحٍ
في كلِّ عينٍ قدْ بكتْ أحزانا
و استبشري بالخيرِ يأتي منْ أسىً
لولا الأسى ما أشرقتْ عينانا
لولا شبابٌ عاهدوا حقّاً لما
أبصرتَ نوراً مُبهِراً بسمانا
و هبوا النُّفوسَ بلا مقابلَ إذْ مضَوا
مُستبشرينَ فجاوروا الدَّيَّانا
و البَذرُ يُنتشُ في مكانٍ ميِّتٍ
و حياتُنا في الشَّامِ منْ موتانا
و الأرضُ إنْ أزعجتَها لفظتْ على
سطحٍ لها منْ جوفِها بركانا