top of page

مدونة / سياسة 

 حين يسكت الرصاص ويتكلم الساسة

هانــــــي الكنــــــدي

مديــــر التحريــــر

14/2/2025

SHARE

عندما تضع الحروب أوزارها، ويُرفع الستار عن المشاهد الأخيرة للثورة، يُفترض أن يبدأ عهد جديد من البناء والتنظيم. لكن، كما يخبرنا التاريخ، ليس كل من حمل السلاح يصلح لحمل القلم، وليس كل من هتف في الميادين يعرف كيف يفاوض في الغرف المغلقة.

في لحظة الانتصار، يغمر الثوار شعور بأنهم قد امتلكوا الحقيقة المطلقة، وأنهم الوحيدون الذين ضحّوا ويحق لهم أن يرسموا المستقبل كما يريدون. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فالسياسة، تلك اللعبة التي لا ترحم، تحتاج إلى لاعبين مختلفين، يفهمون متى يتحدثون ومتى ينسحبون.

الانسحاب، رغم كونه يبدو سلوكًا جبانًا في نظر البعض، هو في الواقع أرقى فنون السياسة. إذ يتيح الفرصة لتنقية المشهد من الضوضاء، وإفساح المجال لأولئك الذين يعرفون كيف تدار الدولة بعيدًا عن شعارات الحرب والبيانات الثورية. فالثورة، مهما كانت عظيمة، ليست هدفًا نهائيًا، بل هي وسيلة لفتح الباب أمام من يستطيع أن يبني فوق ركام الماضي.

لكن المشكلة الكبرى تكمن في أن بعض الثوار لا يدركون أن دورهم قد انتهى. تراهم يتشبثون بالمقاعد، يرفعون شعارات الأمس في وجه تحديات اليوم، ويتحولون إلى عقبات بدلاً من أن يكونوا جسورًا. وهنا تنشأ الفوضى، حيث يصير المشهد السياسي أشبه بساحة معركة جديدة، ولكن بأسلحة مختلفة.

التاريخ يروي لنا أن الشعوب التي فهمت هذه الحقيقة هي التي استطاعت الانتقال بسلاسة من الثورة إلى الدولة. أما تلك التي لم تفهم، فقد وجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة من الصراعات الداخلية والانقلابات المستمرة. فليس كل ثائر يصلح أن يكون سياسيًا، وليس كل قائد ميداني يصلح أن يكون زعيمًا وطنيًا.

لهذا، عندما تنتصر الثورة، يجب أن يكون أول سؤال يُطرح: من سيبني الدولة؟ ومن يجب عليه أن يترجل قبل أن يصبح عبئًا؟ فالصوت النقي للساسة الحقيقيين لا يُسمع وسط ضجيج البنادق، بل في هدوء غرف الحوار والعقلانية.

Yorumlar

Share Your ThoughtsBe the first to write a comment.
bottom of page