top of page

سوريا الجديدة… هل نصنعها أم ننتظر من يصنعها لنا؟

فريـــق التحريـــر 

SHARE

 

سوريا اليوم تقف عند منعطف حاسم وتاريخي ليس فقط لأنها خرجت من سنوات طويلة من الصراعات والحروب بل لأنها أمام فرصة حقيقية لإعادة تعريف نفسها ورسم ملامحها كدولة حديثة لم تُبنَ بعد كما يجب ويستحق السوريون

  لقد دفع هذا الشعب العظيم أثمانًا باهظة وثمينة جدا وقدم الغالي والنفيس وآن الأوان لنتوقف عن الدوران في الحلقة المفرغة بين المعارضة والموالاة بين اليمين واليسار بين رفض الواقع او القبول بهولكن ماذا بعد؟

هذا هو السؤال الحقيقي ليس فقط كيف نسقط الاستبداد الذي عانينا منه بل كيف نبني بديلاً قادرًا على الصمود لا يكون مجرد مرحلة انتقالية نحو استبداد جديد أو حكم شمولي آخر أو فوضى لا تنتهي تعيدنا الى الصفر

 التنظيمات الديمقراطية اليوم أمام اختبار حقيقي ومهم وهناك احتمالان

 الاول إن كان النظام القادم ديمقراطيًا او شورى فعلًا وهذا ما نتمناه ومن كل قلبنا فإن مسؤوليتنا ستكون أكبر من مجرد تأييده أو الوقوف على الهامش ونحن نراقب

حينها علينا أن نكون الدرع الواقية للحريات والحارس الذي يمنع أي عودة إلى الوراء مهما كانت التضحيات

ولنتذكر دائما أن الديمقراطيات الفتية غالبًا ما تكون هشّة ويكفي أن تضعف الأحزاب والمجتمع المدني وتحد من دورها حتى تبدأ السلطة بالاستحواذ على المجال العام شيئًا فشيئًا بحجج الأمن أو الاستقرار أو إعادة الإعمار

 لهذا فإن الدور الأساسي لهذه القوى هو أن تجعل الديمقراطية ممارسة يومية لا مجرد فكرة جميلة في الخطابات السياسية

وعليها أن تخلق توازنًا بين السلطة والمجتمع وبين الدولة والمواطن بحيث لا يشعر أحد بالإقصاء وتمنع تحول البلاد إلى مزرعة أخرى بوجه جديد

 الاحتمال الثاني إذا كان النظام القادم مجرد نسخة معدلة من الماضي ولكن بأدوات وايدولوجيا شمولية مختلفة وهذا ما لا نتمناه فعلا فحينها سيكون المشهد أصعب وأعقد بكثيرحينها لن يكفي الحديث عن الرفض ولن يكون هناك متسع للمعارضة الشكلية

والمطلوب هنا ليس فقط مواجهة السلطة الجديدة بل بناء بديل حقيقي

فالشعب السوري تعب من المعارضة التي تكتفي بالتصريحات والشعارات ويريد رؤية مختلفة ما زال يقدم من أجلها الكثيريريد مشروعًا قادرًا على خلق قناعة حقيقية بأن هناك طريقًا آخر غير الفوضى والاستبدادوهو البديل الديمقراطي والذي لا يعني فقط المعارضة بل يعني تقديم حلول ملموسة

 كيف ندير الدولة؟ كيف ننهض بالاقتصاد؟

 كيف نبني مؤسسات قوية تمنع إعادة إنتاج القمع تحت أي مسمى؟

المعارضة لا يجب أن تكون مجرد ردة فعل بل يجب أن تصبح قوة فعلية تحمل مشروعًا يقنع الناس بأنه يستحق النضال من أجله

 لكن دعونا نكون واقعيين لا دولة ديمقراطية يمكن أن تنجح إذا لم تكن هناك قاعدة دستورية متينة تحميها

 فدستور سوريا الجديد لا يمكن أن يكون مجرد وثيقة تُكتب على عجل أو نتيجة تسويات بين القوى المتنفذة

 نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد واضح وصريح لا يحتمل التأويل ولا يسمح بالالتفاف عليه يجب أن يكون هذا الدستور الضمانة الحقيقية بأن سوريا لن تعود إلى الحكم المطلق ولا إلى الفوضى التي تجعل أي مشروع ديمقراطي هشًا وسريع الانهيار

 نحتاج إلى دستور يؤكد أن سوريا وطن للجميع بلا استثناء بلا تمييز بلا أي شكل من أشكال الإقصاء سواء كان دينيًا أو عرقيًا أو سياسيًا

 

ولا يمكن الحديث عن سوريا الجديدة دون الحديث عن اللامركزية هذا البلد عانى طويلًا من المركزية المفرطة التي جعلت السلطة تتركّز في يد فئة قليلة بينما بقيت بقية المناطق تعيش على هامش الدولة

بالتأكيد الحل ليس في التقسيم وليس بالتفكيك

 بل في بناء نظام إداري حديث يمنح المحافظات والمناطق استقلالية في إدارة شؤونها دون أن يؤدي ذلك إلى تفكيك الوحدة الوطنية المنشودة

 هذا النموذج ليس اختراعًا جديدًا بل هو ما جعل الكثير من الدول تخرج من أزماتها وتحقق نهضتها لأن التوزيع العادل للسلطة والثروة هو الضمانة الوحيدة لعدم عودة الاستبداد من الباب الخلفي

 

المصالحة الوطنية أيضًا ستكون تحديًا كبيرًا فلا يمكننا أن نبني مستقبلًا دون مواجهة الماضي ولكن المواجهة هنا لا تعني الانتقام بل العدالة

 

السوريون يحتاجون إلى عدالة انتقالية حقيقية تُحاسب من يجب أن يُحاسب لكن دون أن تتحول إلى أداة لتصفية الحسابات يجب أن يكون هناك اعتراف بالجرائم وإنصاف للضحايا وإطار قانوني يضمن عدم الإفلات من العقاب

 وفي الوقت نفسه لا يسمح بانزلاق البلاد إلى دوامة جديدة من الانتقام والثأر

 

لكن كل هذه الأفكار تبقى مجرد نظريات إذا لم يكن هناك من يؤمن بها ويعمل على تحقيقها

 فهل نحن مستعدون لتجاوز الانقسامات الجانبية وترك الصراعات الصغيرة والتفكير بسوريا كوطن للجميع؟

هل لدينا القدرة على بناء تنظيمات سياسية قوية قادرة على إحداث فرق حقيقي أم سنبقى في حالة التشرذم التي لا تخدم إلا أعداء الديمقراطية؟

 

الوقت لا ينتظر والمستقبل لن يُصنع من تلقاء نفسه

 سوريا الجديدة تحتاج إلى من يحمل مشروعًا وطنيًا واضحًا لا يخضع للمزايدات ولا يقع في فخ الاستقطاب

 دولة مدنية حديثة قوية بمؤسساتها عادلة بقوانينها مستقرة لأنها تستند إلى التعددية لا إلى الإقصاء

 

 هل نحن مستعدون لهذه المهمة؟ أم أننا سنترك الآخرين يقررون مصيرنا كما فعلوا لعقود؟

bottom of page