top of page

ثقافة / مقالات

عنــدما يكـــون النقـــد
وسيلـــة للإصـــلاح

الدكتـــور . عبـد الكريـــم الخطيـــب 

SHARE

a tool for improvement_edited.jpg

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه:

«إن الدينَ النصيحةُ، إن الدينَ النصيحةُ، إن الدينَ النصيحةُ». قالوا: لمن يا رسولَ اللهِ؟ قال: «للهِ، وكتابِه، ورسولِه، وأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم». (صحيح أبي داود)

وهكذا يكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات "الدين النصيحة" للتأكيد على أهميتها، ويحدد من المقصود بهذه النصيحة.

ولعلنا نتحدث هنا عن النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، ولعله ما يعرف اليوم بالنقد. ولكن، هل النقد مفيد بالمطلق؟ وما هو النقد المفيد أو البناء كما يقال؟ أليس لهذا النقد شروط وأهداف؟ أم علينا أن ننتقد لمجرد أن نتصدر الصفحات ويقال عنا مخلصون أو سياسيون أو قياديون؟ تعالوا نرَ شروط النقد أو النصيحة:

1. النقد يجب أن يكون إيجابيًا

فالنقد الإيجابي أداة فعّالة تُسهم في تصحيح المسارات وتحقيق التطور. ومن منظور إسلامي، يُعدّ النقد وسيلة للإصلاح بشرط أن يكون قائمًا على النية الصادقة والالتزام بالآداب والضوابط الشرعية.

فيما يلي بعض المحاور التي تُبرز أهمية النقد في الإسلام كوسيلة للإصلاح:

أ- مفهوم النصيحة في الإسلام

يحمل الإسلام قيمة عظيمة في النصيحة والتوجيه؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة». فهذا الحديث الشريف يؤكد أن تقديم النصيحة الصادقة والحرص على إصلاح النفس والمجتمع من أعظم سبل التقرب إلى الله. والنصيحة هنا تتضمن نوعًا من النقد البناء الذي يُعزز من قيم الأخلاق والفضائل.

ب- مراعاة الأدب والاحترام

يشترط في النقد الإسلامي أن يكون بلسان طيب، في ضوء الرحمة والحكمة، مستندًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلا دين له».

لقد قال الله تعالى لخير خلقه:

«وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (آل عمران: 159)، وهو الذي وصفه بقوله عز وجل:

«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (القلم: 4).

فهل نستفيد من هذا التوجيه الرباني، ويكون نقدنا أو نصحنا بأسلوب لطيف يدخل إلى القلب والعقل، لا أن يكون نقدًا استفزازيًا تخوينيًا؟ فالنقد دون تعبير عن الاحترام أو بأسلوب جارح يُعدُّ مخالفة لمبادئ الأخلاق الإسلامية التي تُرسي قيم المودة والرحمة بين الناس.

2. أهداف النقد كوسيلة للإصلاح

أ- تصحيح المسار

يجب أن يكون هدف النصح هو التصحيح، لا التشهير والتخوين والتقليل من الآخرين. ماذا لو قلنا لمن يقصر في الإعلام: حبذا لو كان الأمر كذلك، لكان أفضل؟ وماذا لو قلنا لمن أصدر قرارات مالية نراها غير ذات أولوية: حبذا لو بدأتم بهذا الموضوع لكان أفيد حسب الضرورات؟

ب- تعزيز الإصلاح الاجتماعي

النقد البناء أداة لتصحيح ما قد ينحرف عن المعايير والقيم الإسلامية في المجتمع، أو الصمت إذا لم يجد الناقد صيغة صحيحة للنصح، فقد جاء في الحديث الشريف:

"جاء أعرابيٌّ إلى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: دلَّني على عملٍ يُدخلُني الجنةَ. قال: أطعمِ الجائعَ، واسقِ الظمآنَ، وأمرْ بالمعروفِ، وانهَ عنِ المنكرِ، فإن لم تُطِقْ فكفْ لسانَكَ إلا من خيرٍ" (حديث صحيح).

وبالتالي، فإن النصح يكون للإصلاح، وليس للتوبيخ اللاذع، بل لتوجيه الأمور إلى الخير. فكل فرد في المجتمع مدعو لتصحيح الخطأ عند رؤيته بطريقة تساهم في رفع مستوى الوعي العام وتحقيق الوحدة والعدالة.

ج- دفع عجلة التطور والابتكار

في الحياة العملية والإنتاجية، يعتبر النقد وسيلة لتحديد العيوب ومواطن الضعف في النظم والآليات. ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار النقد البناء في المؤسسات والأنظمة الهندسية والاقتصادية خطوة أساسية نحو تحسين الأداء ورفع الكفاءة، بشرط أن يكون النقد خاضعًا للمبادئ الإسلامية في التراحم والتعاون.

3. الضوابط والمعايير الشرعية للنقد

أ- النية الصادقة

ينبغي أن يكون الهدف من النقد هو الإصلاح، لا التفريق أو التقليل من قدر الآخرين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»، وهو ما يستلزم أن تكون النية هي التوجيه إلى الصواب.

ب- التأنّي والحكمة في الاختيار

ينبغي للناقد أن يتحلى بالحكمة والتأني، وأن يتخذ أسلوبًا يحفّز الآخر على التغيير دون أن يشعر بالإهانة أو التقليل من قيمته. وقد ورد في السيرة النبوية ما يدل على كيفية التعامل مع النقد بأسلوبٍ راقٍ، مثل طريقة النبي صلى الله عليه وسلم مع من أخطأ في حقه؛ فقد كان يميل إلى التهدئة واللين قبل التصحيح.

ج- الاعتدال في الطرح

في الإسلام، لا يُستحب الإفراط في النقد، بل يجب أن يكون معتدلًا يُراعي مشاعر الآخرين، ويترك مجالًا للإصلاح. فإن النقد الجارح أو المُفرط قد يؤدي إلى تدمير العلاقات وإضعاف الثقة بين الأفراد، وهو ما لا يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تحث على التعاون والمحبة.

مقارنة بين نوعين من النقد

لعل ما بينا من نقاط مهمة للنصح أو النقد هي المحاور التي تلزمنا دائمًا، ولا سيما في وضعنا الحالي. أما أن يرى الناصح أو الناقد أن الأمور يجب أن تسير كما يراها هو، أو أن الأمور خطأ بالكامل، فهذا تفكير إقصائي.

كلام حق، لكنه قد يصدر عن أحد شخصين:

1. الأول مخلص لكنه متعجل في الحكم، مثل مشجع يتقدم إلى اللاعبين الناجحين في الجولة الأولى ويقول لحارس المرمى: تنحَّ، أنا أفضل منك! أو لقلب الهجوم: أنا أفهم منك! فهذا حالنا اليوم!

2. الثاني منافق ذئب في جلد حمل، يقول: عظيم أن الفريق نجح، لكن اللاعبين فاشلون، ورئيس الفريق لا يعرف معنى القيادة ولكنه نجح! هذا الأسلوب يشكك في نجاح المنظومة كلها.

فهل هناك فرق بين الحالتين من حيث النتيجة؟

أليس علينا أن نشجع الناجحين ونقول لهم: بارك الله فيكم، لقد نجحتم، ونتمنى عليكم تعزيز بعض النقاط، بدلًا من الهدم الكامل؟

وأخيـــرا ً

لا شك أن الغالبية حريصة على نجاح الثورة، ولذلك يجب أن نحرص على النص المفيد والنقد الإيجابي. علينا أن نشير إلى النقص والخطأ من باب النصح، لا من باب النقد اللاذع.

أيها الإخوة الأحرار الشرفاء، الكلمة الطيبة صدقة، والكلام الطيب يجد طريقه إلى القلب، أما الكلام الجارح فقد يعطي نتائج عكسية.

لا أزال أذكر موقفًا: جاء أستاذ التربية الإسلامية إلى أحد طلابه في المسجد، فربّت على كتفه وقال له: الله يهديك، لكن بأسلوب غير مناسب، فرد الطالب: وهل أنا كافر؟ فترك الصلاة وتحول إلى الإلحاد بسبب كلمة لم يُحسن المربي اختيارها!

فلنحرص على أن لا نكون مثل ذلك الأستاذ، ولتكن نصائحنا بناءً وإصلاحًا.

                           

9/2/2025

bottom of page