مقالات-أدب
ثقافة الإنجاز
بقلم مصعب الأحمد بن أحمد
سقب
2024.11.12
تلتفت حولك فترى أشكالا من النجاحات ، والإنجازات فتنبهر لها ، وتعجب بأربابها ، ثم ترغب أن تكونها أو تكونهم ، فتسعى إليها مشتملا العزم والإرادة والنية ، ثم تواجهك العقبات التي تصيبك في مقتل ، الملل ،الكسل ، الفتور ، التعديل ، الانتقال لأخرى ، النفس ، الشيطان ، فتقف ، تقف لأنك ببساطة لا تملك *ثقافة الإنجاز والاتمام *
فتلقي باللائمة على الظروف والأيام والقسمة والنصيب ، والقدر ، وقد يكون شيء من هذا لكن ارجع لقرارة نفسك تجد أن ليس كل الاخفاقات مردها الا إليك ..
كم سبب غياب هذه الثقافة من فساد الأعمال ، وكساد الغايات ، وخسارة النتائج ، وانقطاع الخير .
ولو رأيته في حماس البدايات واشتعال نار الهمة والرغبة لقلت في نفسك ما أعظم لحظة الوصول ، ولكنه يقف !
يقف لأن أغلب البدايات سهلة ، ولكن : ما أصعب الوصول والاتمام .
كثيرا ما يهم الانسان بعلم أو عمل ، ثم ماهي الا زمان ليصاب بالملل ، ويسري في نفسه الكسل ، أو يعرض له آخر فينتقل إليه ويستجيب لكل خاطرة جديدة تقدح ذهنه .
فيقف وينتقل إلى سواه ، ثم لا يكمل الآخر ، و
وهكذا تراه يتنقل بين النواقص وأنصاف الأشياء ، فلا يحرز تقدما ، ولا يتم أمرا ، ولا يختم مشروعا ، ولا ينجح في مقصد .
كان لي صديق ذكي وحصيف أراد حفظ القران وهم به ليختمه في أربعة أشهر ، وبدأ ثم ما هي إلا أيام حتى تحول الى شيخ آخر لأنه أعلى إسنادا من الأول، ثم وجد الشقة بعيدة فتحول إلى ثالث فرابع ، ومرت أربع سنوات ولم يتم الختمة الأولى على أحد .
دخل المدرسة فوصل إلى مرحلة متقدمة ثم ترك وانتقل الى المدرسة الرسمية ومنها إلى مدرسة أخرى كالأولى ، وكلما رأيته يحدثك عن فكرة يعمل عليها ، وكتاب يقرأه ، ومشروع يخطط له ويشعرك بحماسه القوي الجارف ، حتى لترى نفسك مقصرا أمامه ، ثم ماذا ؟
لا يكون شيء ، ولا يتم عملا ، ولا ينهي دراسة ، ولا يختم كتابا ، وهو هكذا مدة حياته ، حتى استقر شأنه أخيرا على هامش الحياة ، سألت عنه وقد امتدت الايام ومرت السنوات فعلمت أنه يعمل بائعا للصابون ، وأظنه قد بدل من المهن ما لا يمكن حصره حتى استقر إلى هذه ، ولا أحسبه يقيم عليها .
فتصور كم أفسد الجهل بثقافة الاتمام من أعمال وأبطل من غايات ، وأهدر من أموال ، وأكسد من مشاريع .
ولعلي بك أيها القارئ العزيز تستذكر الآن كثيرا الأشياء التي بدأتها ولم تكملها ، أو بدأها غيرك ولم يتمها ، ثم تقول في نفسك ( هل أنا لا أملك ثقافة الاتمام (و الانجاز؟ )
أكثر البشر ياعزيزي لا يملكون هذه الثقافة ! لأنه وببساطة هذه ثقافة تختص بالنوع الناجح من البشر دون سواهم .
يقف النبي محمد بن عبد الله ص مخاطبا الناس ( اليوم أكملت لكم دينكم )، كان حينها يعلم البشرية أن الطريق لم يكن سهلا ، ولا مفروشا بالورود والرياحين ، بل كان مليئا بالدماء والحروب ، والفقد والأسى والصعاب ، لكنه تم وأنجز ، بل وعدهم بما هو أبعد عن خيالاتهم آنذاك ملك فارس والروم .
يوم وقف عمر المختار فقال للضابط الايطالي سيكون عمري أطول من عمر جلادي وعليكم أن تتصدوا للجيل القادم ، اي الذي سيتم ما بدأناه ، عشرون عاما لم يكل ، ولم يمل ، ولم يستسلم ، ولم يسلم ، لايخرج من صراع إلا إلى صراع ولا من معركة إلا إلى أخرى ، حتى تم القبض عليه ، هل انتهى الأمر لا .. هناك من سيتم الرسالة ..
وكان أن دخلت يوما إلى فصل مدرسي وسألت الطلاب في الثانوية العامة كم كتابا قرأت ؟
من أصل ثلاثين طالبا أجاب اثنان أو ثلاثة بأنهم قرأوا بعض الكتب ولما استفسرت أكثر تبين لي أنهم لم يتموا في حياتهم كتابا كاملا غير كتب المدرسة ، ومنهم من قد شرع في عدة كتب ..
أقول هذا وقد كانت القصة في عام 2005 فماذا يمكن أن يقول اليوم جيل الأيباد والهواتف المحمولة ؟!
كثيرا ما ألتقي بأصدقاء فأسألهم عن مشاريعهم القديمة ، وطموحاتهم العتيدة ، فلا أجد أنه تم منها شيء ..
نعم قد تعترض الإنسان بعض المشاعر ويتقلب رأيه من شيء الى نقيضه أو سواه ، او يصرف نظرا عنه ، لكن الكارثة أن يصبح ذاك التقلب هو السمة الغالبة عليه والعادة الراسخة .
كان الأجداد يقولون (الثبات نبات) والدجاجة التي لا ترقد على البيض ( لا تنتج ) ..
أي بني :
لا تعوّد نفسك أن تكون حياتك عبارة عن أفكار ناقصة ومشاريع مبتورة وأحلام لم تكتمل ، عود نفسك الإنجاز فإن الإنجاز ولو بنصف جودة خير من اعتياد التوقف عند أقرب معوق.
في الطريق ستتناولك الأوهام ، وتعبث بك الأيام ، وتتخاطفك الشياطين وتتجذبك الأهواء ، فلا تلتفت لأن الملتفت لا يصل ..
إن شرعت في عمل صالح فأتمه ، وفي علاقة طيبة فأنجحها ، وفي كتاب ثمين فاقرأه ، وفي بناء فاقمه على أشده ، وإن صرت مربيا وشرعت في تربية فلا تعرف التربية إلا بتمامها ، وإن أقمت مشروعا فأنجحه ، ولو أخفقت ، مالم يكن هناك مبررات للوقوف .
أنصاف الأشياء سمة الفاشلين .
ليس في الدنيا مؤسسة علمية رصينة محترمة تعطي شهادة عليا في أي فرع دون اتمام السنوات وبتقدير محترم ، لانهم يعلمون أن أنصاف المتعلمين أخطر من الجهلة ، فالجهلة يفتضح أمرهم بكل سهولة لكن هؤلاء كارثة .
الانجاز ليس مرحلة النجاح بل كل مرحلة منه تعتبر انجازا وكل محطة تعتبر اتماما حتى يكتمل .
أي بني : كفاك احلاما وأوهاما ، فالانجاز عادة ومالم تتعودها من صغرك او تجبر نفسك عليها لتصير طبعك الغالب فأنت أمام فشل ذريع ، وأن لم تكن قد تعلمت ثقافة الانجاز من والديك ولا في مدرستك ، ولا من معلمك فجدير بك أن تقرأ كتاب عادة الانجاز حيث يتحدث لنا " برنارد روث " عن طريقة البدء بالعمل ، وترك التمني ، وكيفية التحكم بالاعمال ووضع الاهداف لجعل الإنجاز عادة ومطلبا محققا..
أخبرني لعمرك :
أي عمل في التاريخ ذاك الذي قد اكمل دون أن يكمله أصحابه ؟ دون أن يصبروا عليه ؟ دون أن يضحوا من أجله ؟ دون أن يؤمنوا به ، دون أن ينجزوه ..
الإنجاز يحقق الكثير من الاعجاز ..
ضع في برنامج خطة محكمة ونظم وقتك وألزم نفسك وأجبرها ، وانا ضعيف الانجاز قليل الالتزام أجبرت نفسي على قراءة كتاب كل أسبوع ، وكنت قبلا لقلة الانشغال اقرأه في ثلاثة أيام ، ثم مرت أوقات اقرأ كتابا كل شهر .
لكن السمة الغالبة كتابا كل أسبوع ، فماذا حصلت ؟
خمسون كتابا كل سنة اضربها بعشرين سنة الناتج ألف كتاب ..
هل تعي معنى أن تقرأ ألف كتاب ؟
وكذا هي الأعمال ..
قد تبطل بعض الاعمال وتنتقل إلى غيرها أمر طبيعي لكن لا ان تصير التنقلات أساس حياتك ، قد لا تفلح في دراسة لكن صعب ان لا تفلح أيضا في عمل ، وقد لا تفلح فيهما ، فلا تعجز أن تنجز غيرهما ، لا تقف وأنجز ، فليست النتائج هي مرضاة الله فحسب بل بالموت على طريق العمل ..
أي بني : إن أي إنجاز في الكون لا قيمة حقيقية خالدة له ما لم يكن الإنجاز الأخروي حاضرا في ذهنك ، فلا ربح في الدنيا لخاسر يوم القيامة وان توهم الإنجاز